الأربعاء، 9 نوفمبر 2011

كيف نشأت علوم اللغة العربية والنحو


لقد كان الصَّدرُ الأوَّلُ من الأمَّة الإسلامية أهلَ سليقةٍ عربيَّة، و أصحابَ مَلَكَةٍ لسانيَّة،«فكانَ اللِّسانُ العربيُّ عندَهم صحيحًا مَحْرُوسًا، لا يَتَدَاخَلُهُ الخَلل، ولا يَتَطرَّقُ إليه الزَّلَل، إلى أن فُتحت الأمصار، وخالطَ العربُ غيرَ جنسهم، من الرُّوم والفُرس والحَبَش والنَّبَط وغيرهم، من أنواع الأمم الذين فتح اللّه على المسلمين بلادَهم، فاختلطتِ الفرق، وامتزجت الألسُن، وتداخَلتِ اللغاتُ ونشأَ بينهم الأولاد،  واقتضـى كلُّ ذلك أن يستمعَ بعضُهم من بعض، وأن يتفاهموا في كُلِّ ما يتَّصِل بهم، ولُغة التَّخاطب الوحيدة بينهم في كلِّ ما يُحيط بهم هي اللُّغةُ العربية، فكان لزامًا على غير العربيّ أن تكونَ لُغَته العربية، مهما عالَج في ذلك و عَانَى، كما كان لِزامًا على العربيِّ أن يَتَرفَّق بغير العربيِّ، ويتريَّث معه في التَّخاَطب ضَرُورَةَ التَّعاوُن بينَ الطَّرفين، فكُلٌّ منهما يسمعُ من الآخر، و بطول هذا الامتزاج تسـرَّب الضّعف إلى نَحيرَة و سليقَة العربيِّ، غيرَ أنَّ غير العربيِّ كان يَنزِعُ قَسْـرًا عنه إلى بني جِلدَته و إن طالَ لُبثُه بينَ ظهراني العرب.